دور الشباب في بناء الأوطان.. ألمانيا نموذجاً

دور الشباب في بناء الأوطان.. ألمانيا نموذجاً

«إن الشباب هم الثروة الحقيقية للبلاد، إننا نتطلع إليهم ليتحمّلوا مسؤولية بناء وطنهم في المستقبل». هذا ما قاله المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1979 خلال جولة له في عدد من مدارس منطقة غياثي. وبهذا يكون الشيخ زايد، رحمه الله، قد وضع حجر أساس مهماً في مفهوم بناء الوطن والإنسان قبل 39 عاماً من اليوم.

إن هذا الاهتمام الخاص الذي أولاه الشيخ زايد للشباب ولدورهم في بناء الوطن والولاء للدولة وقيادتها هو تعبير عن مفهوم حضاري متقدم يعتبر اليوم من أهم أولويات الحكومات والبرلمانات الأوروبية حتى يومنا هذا، بل يمكن القول إن أهمية ذلك آخذة في التزايد يوماً بعد يوم.

الاهتمام الخاص الذي أولاه الشيخ زايد للشباب ولدورهم في بناء الوطن تعبير عن مفهوم حضاري متقدم

المتابع لعمل الأحزاب الألمانية المختلفة يرى على سبيل المثال كيف بدأت منذ نشأتها تركز على الشباب وأقامت منظماتها التي كانت بدورها تعمل بين المواطنين في سبيل بناء الوطن وتنشر فكر الانتماء للوطن والمواطنة الحسنة الصالحة. حيث تعتبر منظمة شبيبة الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني مثالاً على ذلك، فهي أكبر منظمة شبيبة أوروبية تأسست في عام 1947، أي بعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية وساهمت في عمليات الإعمار والبناء في ألمانيا التي كانت شبه مدمرة بالكامل. ويبلغ عدد منتسبي شبيبة الحزب المسيحي الديمقراطي أكثر من 110 آلاف عضو وهناك قرابة 246 عضواً منتخباً في البوندستاج قد مروا عبر هذه الشبيبة. تليها منظمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي التي تأسست عام 1969. وتؤثر هذه المؤسسات اليوم في البوندستاج وفي البرلمان الأوروبي مباشرة من خلال وجودها في هذه البرلمانات ومن خلال تحملها المسؤولية في البناء والتنوير والمساهمة في العمل التطوعي المجتمعي الهادف.

وقد وصل العديد من هؤلاء الشباب إلى مراكز قيادية مرموقة في ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر كالمستشار الألماني السابق جيرهارد شرودير ورئيس الدولة الحالي شتاينماير ورئيس البوندستاج الحالي وزير المالية السابق فولفجانج شويبليه من الحزب المسيحي الديمقراطي ووزيرة الزراعة الاتحادية الحالية يوليا جلوكنير ورئيس الكتلة البرلمانية للحزبين المسيحيين في البوندستاج فولكر كاودير أيضا من المسيحي الديمقراطي وغيرهم الكثيرين ممن تدرجوا في تحمل المسؤولية إلى أن وصلوا إلى ما هم عليه اليوم.

إن الأمر لا يتعلق بنقل تجربة بلد ما إلى آخر بقدر ما يتعلق بفهم أهمية التعدد الثقافي وثقافة الحوار مع الآخر واحترامه والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى. ولكل دولة سبل عملها وتقاليدها وخبرتها وقيمها، وهذا ما جعل دولة الإمارات العربية المتحدة تتبوأ اليوم هذا المستوى العالمي الرفيع الذي يحظى بتقدير واحترام عالمي كبير، نجحت بالوصول إليه كونها شيدت نهضتها على أساس هويتها الوطنية والثقافية الخاصة بها بما في ذلك تجربتها البرلمانية الحديثة.

غالبية مواطني الدولة من«الجيل الرقمي»، وأمامهم اليوم فرصة التواصل وعقد اللقاءات ونسج التعاون مع الشبيبة في أوروبا

ويمكن القول إن العامل الشبابي هو آلية التطور الأساسية في ظل التحولات الرقمية وهو القوة المستقبلية القادرة من خلال مساهمتها ضمن سياسة القوة الناعمة في التقدم ببلادها نحو الازدهار. ونظراً إلى أن غالبية مواطني الدولة من المنتسبين إلى هذا الجيل الرقمي فإن أمامهم اليوم فرصة التواصل وعقد اللقاءات ونسج التعاون مع الشبيبة في أوروبا وفي مقدمتها ألمانيا للاستفادة من تجاربها والتعرف على كيفية إعدادها ووضع برامجها لتكون أداة البناء المستقبلي الفاعلة في البرلمانات وكافة مجالات الحياة. وهكذا وبفضل القيادة الحكيمة تمكنت دولة الإمارات من تطوير إمكانياتها وتقدمت لتصبح في مقدمة البلدان التي يسعد بها مواطنها ويشعر بها بالراحة والأمن والاستقرار، ويجد نجاح تجربتها التنموية في شتى المجالات.

وها نحن نرى اليوم كيف أن دولة مثل إيران كبيرة بمساحتها وتعداد سكانها ولديها ما لديها من النفط والغاز لكنها غير قادرة على وضع برنامج يضمن مستقبل أبنائها ويوفر لهم فرص العمل والرخاء والعيش بأمن واستقرار مع بلدان الجوار بدلاً من احتلال أجزاء من دول الجوار والتدخل بشؤون الدول الأخرى لحرف أنظار الجيل الشاب لديها عن أزمة النظام فيها وفشله في وضع خطة تنموية تمنح جيل الشباب الأمل في مستقبل أفضل.

إن الإمارات وبفضل قيادتها الحكيمة وشعبها المخلص نسجت وتنسج أفضل علاقات مع البرلمانات الأوروبية والعالمية بما فيها جمهورية ألمانيا الاتحادية وتعزز علاقاتها معها من خلال الزيارات واللقاءات المتبادلة بشكل مبرمج ليس فقط من أجل الاستفادة من خبرات هذه الدول بل من أجل إطلاعها على تجربة البناء والنجاح في تقدم البلد والإنسان في الإمارات. إن بناء العلاقة مع جيل الشباب الصاعد في هذه الدول وفي برلماناتها ومؤسساتها الفكرية يمنحنا فرصة بناء علاقات مستقبلية متينة.

نشر في صحيفة الخليج 14 مايو 2018