جورج كليمنصو.. «أبو النصر»
النمر هو أحد لقبين عرف بهما «جورج كليمنصو» رئيس الوزراء الفرنسي لفترتين (1906 1909) والثانية (1917-1920)، أما لقبه الثاني فهو «أبو النصر»، فمن هو هذا القائد الذي استحق هذه الألقاب؟
عندما أصبح وزير للداخلية استخدم خراطيم المياه بدلاً عن الرصاص لتفريق المتظاهرين
تخرج طبيباً سنة 1865 مثلما كان والده، وعارض سياسات نابليون الثالث وأصدر صحيفة «العامل»، ينتقد فيها الأوضاع المأساوية لعمال فرنسا، سجن وأغلقت صحيفته، نادى بالفصل الكلي بين الدين والدولة قبل عقود من تغير الدستور الفرنسي وإقرار الفصل الكلي بين الدين والدولة في فرنسا.
سافر بعدها إلى نيويورك لسنوات عدة ليعمل صحفياً لأحد الصحف الباريسية ومدرساً للغة الفرنسية، عاد إلى باريس وشهد سقوط إمبراطورية نابليون الثالث في سنة 1870 بعد هزيمة فرنسا في معركة «سيدان» وأسر نابليون الثالث من قبل القوات الألمانية، وعلى إثرها وقعت فرنسا في قصر فيرساي في قاعة المرايا «معاهدة فيرساي» سنة 1871 لتعلن قيام الإمبراطورية الألمانية الموحدة وسمي «الملك فالهايم الأول» بالقيصر.
بعد سقوط إمبراطورية نابليون الثالث اختير كليمنصو عمدة للدائرة 16 قي باريس. كان معارضاً لبقاء القوات الفرنسية في المستعمرات، منادياً بضرورة عودة القوات إلى فرنسا والاستعداد لمواجهة أعداء فرنسا في أوروبا، أصبح بعدها وزيراً للداخلية وكان الأمن ومكافحة الجريمة همه الأول وكان يسمي نفسه (شرطي فرنسا الأول)، وهو أول من استخدم خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين وكان قبل ذلك يستخدم الرصاص الحي، ولقب بالنمر في تلك الفترة ثم أصبح رئيساً للوزراء للمرة الأولى. بعد خروجه من الحكومة خصص «النمر» الأعوام الثلاثة 1909- 1912 للسفر، وزار البرازيل وارجواي والأرجنتين، وكان معجباً بمدى تأثير الثورة والثقافة الفرنسية على دول أمريكا الجنوبية.
أمضى 90 يوماً في الخنادق مع الجنود في جبهات القتال وهو في الـ76 من عمره
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في 1914 كانت صحيفته «الإنسان الحر» ممنوعة من النشر، فقام بإصدار صحيفة ثانية أسماها «الإنسان المقيد» منتقداً الحكومة واتهمها بعدم الشفافية وأنها لا تملك القدرة على التغيير، وفي سنة 1917 وفي أحلك فترات الحرب طلب الرئيس الفرنسي آنذاك من كليمنصو رئاسة الوزراء للمرة الثانية،وكانت عودته مطلباً جماهيرياً، وتمسك به الفرنسيون فهو رجل المرحلة ومنقذاً لفرنسا من هزيمة كانت ستغير خريطة أوروبا الحديثة.
الجيش كانت له الأولوية لا جدال في ذلك، لأنه يؤمن بأنه لن تكون هناك سلطة من دون جيش، وإضافة إلى كونه رئيساً للوزراء فهو وزير الحرب، وحينها وهو في عمر ال 76 سنة أمضى أكثر من 90 يوماً في الخنادق مع الجنود الفرنسيين في جبهات القتال، وهناك فيديوهات على اليوتيوب لتلك الزيارات خلال السنة الأخيرة والحاسمة للحرب. لقد آمن كليمنصو بجيشه فآمن به وأدرك بأن النصر قادم لا محالة، قال عنه عدوه الجنرال الألماني ايريك لودندورف: «تمنيت لو أن كليمنصو ولد ألمانياً » .
نشر في صحيفة الخليج 7 نوفمبر 2020