تحدي القراءة.. رؤية وإنجاز
عندما فاز الأديب العربي المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب سنة 1988، أعلن مكتب أمين السر الدائم للأكاديمية السويدية قائلاً: «بموجب قرار الأكاديمية السويدية، منحت جائزة نوبل للآداب لأول مرة لمواطن مصري. نجيب محفوظ هو أيضاً أول فائز لغته الأدبية الأم هي العربية».
هذا ما قاله القائمون على جائزة نوبل، وبإمكان العرب مخاطبة البشرية والتفاعل معها من خلال أدبهم، واللغة العربية هي وسيلة العرب لخلق حوار مستمر مع ثقافات وحضارات العالم، وبذلك نعزز قيم التسامح والاعتدال وقبول الآخر.
نغرس حب القراءة في نفوس الصغار ونبني أسس التقدم والتفوق
ولكن أحلام وهموم العرب تختلف حسب موقعهم على خريطة العالم العربي الكبير، فكيف يتوحد خطابهم، والآمال تبنى على حجم التحديات والفرص، فمن الذي بإمكانه أن يجعل المجتمعات العربية تتفاعل حوله بنفس الحماس والرغبة؟ ما هو الرابط المشترك الذي يجتمع العرب على حبه بالقدر نفسه، ويؤثر فيهم بنفس الدرجة؟ من الذي يستطيع أن يجمع العرب؟
تجلت الإجابة عن كافة الأسئلة السابقة في سنة 2015، عندما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تحدي القراءة العربي لإيمان سموه بأن ارتباطنا باللغة العربية يجعلنا أكثر قدرة على الحوار مع كل أطياف البشر.
تحدي القراءة له رؤية واضحة تعكس نظرة مستقبلية متفائلة تقول: «نغرس حب القراءة في نفوس الصغار ونبني أسس التقدم والتفوق». أما رسالة تحدي القراءة فهي «إحداث نهضة في القراءة عبر وصول المشروع إلى جميع الطلبة في مدارس وجامعات الوطن العربي».
ولكي يصبح تحدي القراءة مشروعاً متكاملاً، حددت له 7 أهداف استراتيجية، بدءاً من تنمية الوعي العام بواقع القراءة العربي، وانتهاء بالوصول إلى مرحلة الإيمان لدى المواطن العربي بالانتماء إلى مستقبل مشترك مع كل من تحدث لغته.
ليس من باب المبالغة أن نقول إن تحدي القراءة العربي مبادرة جددت الأمل، وتفاعلت معها كل مجتمعات الدول العربية، والعرب من خارج حدود الوطن العربي. ولندع الأرقام تتحدث، ففي الدورة الأولى للجائزة شارك 3.5 مليون طالب، وتضاعف الرقم ليتجاوز 7.4 مليون في الدورة الثانية. وتخطى في دورته الأخيرة في السنة الماضية 13.5 مليون طالب وطالبة من 49 دولة، وأكثر من 62 ألف مدرسة، وتحت إشراف أكثر من 113 ألف مدرس ومدرسة؛ أي أن إجمالي المشاركين منذ الدورة الأولى بلغ 33 مليون طالب وطالبة، قرأ كل منهم 50 كتاباً خلال سنة.
في 3 دورات، شارك 33 مليون طالب وطالبة في «تحدي القراءة»، قرأ كل منهم 50 كتاباً خلال سنة
وإضافة إلى كونه أول برنامج عربي تثقيفي وترفيهي، فتحدي القراءة هو أكبر مشروع معرفي عربي. أما حجم تأثير البرنامج في الشباب العربي فنحن نلمسه من خلال أقوالهم، فالسودانية هديل أنور الفائزة بجائزة القراءة العربية لسنة 2019 تقول: «أشعر بالفخر الشديد؛ لأن راية اللغة العربية قد رفعت، وهنا في دبي توحدت الأوطان تحت سقف واحد، وأشعر بالعزة والرفعة؛ لأنني حققت أحلام كثير من السودانيين».
ثم شاهدنا آية الحمد اللاجئة السورية ذات التسعة أعوام التي تعيش في مخيم الزعتري في الأردن ترسل الأمل على الرغم من قسوة الحياة، لتقول: «القراءة مصباح يضيء هذا الزمان، والكتاب هو نافذتي إلى العالم»، ومشارك آخر من دارفور يقول مطمئناً: «إذا كان الكتاب نصيبنا من هذه الحياة فقد رضينا والحمد لله”.
أما عبد العزيز من الكويت، فقد قطع وعداً لأخيه: «فقدت شقيقي الأصغر بمرض السرطان، وقطعت وعداً لأخي وعلى نفسي بأن أصبح جراح مخ وأعصاب وأكون سبباً في علاج مرضى السرطان، وبرنامج تحدي القراءة هو بداية الطريق». وتقول السعودية جمانة: «أنا جمانة، أقدس القراءة، والقراءة ليست مجرد هواية؛ بل أسلوب حياة، والقراءة تجعلنا نعيش الحياة كما يجدر أن نعيشها». وفي إحدى الحفلات الختامية للجائزة وقف أحد المتأهلين الخمسة على المسرح، ليقول، إن مشاركته في تحدي القراءة رفعت سقف أحلامه، وأصبح لديه هدف واضح في الحياة سيكرس له حياته «أود أن أكون أول عربي يفوز بجائزة نوبل في الفيزياء».
في حفل توزيع جائزة تحدي القراءة العربي لسنة 2018 غنت بلقيس:
اقرأ وتأمل فالدنيا صفحات كتاب
في رحلة معرفة فيها سنظل شباب
وبعد ذلك بعام على نفس المسرح المبهر؛ مسرح أوبرا دبي، تشدو ماجدة الرومي بأغنية «الأرض ستبقى عربية»، ثم تشكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وضيوف دبي الكرام، وتقول: «تضمون لقلوبكم أبناء كل العرب، ومن يعيش بينكم يشعر بأنه في بيته وبين أهله، ومن خلال هذه المبادرة فأنتم تضمون لقلوبكم مستقبل العالم العربي، شكراً لكم باسم الإنسان».
هؤلاء الشباب العرب الذين توجوا في دبي يتم استقبالهم عند عودتهم إلى دولهم استقبال الأبطال على مستويات حكومية رفيعة، ولك أن تتخيل حجم التأثير المباشر للمتوجين في غيرهم من الشباب من نفس الفئة العمرية، وأمة تقرأ هي أمة ترقى.
كل الشكر لأعضاء فريق تحدي القراءة من عاملين ومتطوعين حولوا الرؤية إلى إنجاز، وغرسوا الأحلام في قلوب شباب العرب، وفي ذلك خير للجميع.
نشر في صحيفة الخليج 10 أغسطس 2020